عبد الكريم قاسم: النزاهة الاسطورية والشموخ البطولي

.

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
05/08/2007 06:00 AM
GMT



هاهو مؤسس الجمهورية العراقية الفريق الركن عبد الكريم قاسم يفترش الارض في دائرته البسيطة والتي لاتتميز بأي اعتبار من الاعتبارات عن اي دائرة لموظف صغير في اقصى ناحية من نواحي العراق. ينام برغد بين شرشفين متواضعين مثل الملايين من اشراف العراق البسطاء. فلا قصور مزينه بالعاج والمرمر او محاطة بغابات اوبحيرات اصطناعية، ولااثاث باذخة مستوردة، ولااساطيل من المرسيدسات المدرعة، ولا طائرات خاصة، ولانواد او جزر معزولة للراحة والاستجمام ،ولاعطل او اجازات مترعة بالترف والاسراف ، ولاجوارٍ اوخليلات او عاشقات ، ولافيالق من رجال الحماية المدججين بأعتى الاسلحة، ولافرق من الطباخين المتخصصين لتحضير عشرات الوجبات اليومية للتحسب والحيطة!! كتلك التي كانت ترمى في المزابل كل يوم في عهد المجرم الخسيس صدام في وقت ينام فيه الملايين من اطفال العراق جياعا وهو الذي يتكرم احيانا على بعض المواطنين "المحظوظين" بزيادة مخصصاتهم الشهرية بربع كيلو شكر او بنصف صابونة كمكرمة جمهورية في بلد يغص بالثروات!!

لقد كان الزعيم قاسم بحق ابن الشعب البار،وهو الابن لاب عربي سني وام كردية شيعية، الامر الذي جعله رمزا وهاجا لوحدة الدم العراقي وتلاحم قومياته وطوائفه. القائد الشجاع المخلص الذي ستكن له الاجيال الحاضرة والقادمة من العراقيين كل الفخر والاعتزاز، وتتشرف بكونه من قاد ثورتهم الحقيقيقة الشعبية واسس جمهوريتهم الاولى، ذلك الرجل ، المثال الصادق للوطنية والعفة والاباء.

لقد قيل وكتب الكثير عن قاسم وقيادته للثوره وزعامته للحكومة، واختلف الاكثرمن العراقيين حول سياساته وتقلباته واخطائه، وماتحمّله من قسط فيما لحق بالثوره من خراب وماادى الى اجهاظها. ولكن لم يختلف احد منهم قط على شرفه وصدقه واخلاصه للوطن والشعب، واعترف العدو والصديق بزهده ونزاهته الاسطورية التي قاربت نزاهة الانبياء! واستقلاليته السياسية الحقيقية فهو رجل الدولة الفريد الذي لم يرتبط لابالمعسكر الغربي ولا الشرقي ولم تشده وشائج المصلحة والانتفاع لاي طرف سياسي او دولي، ولم يشتر ذمم احد ولم يساوم على شرف وكرامة شعبه. وانه لمن الطبيعي ان يرتكب الشخص المخلص والمستقل مثله الكثير من الهفوات والاخطاء والتي اكدت بان عبد الكريم لم يكن بالسياسي المحنك لكنه كان الرجل الوطني الوفي المتفاني من اجل شعبه. وحيث ان السياسة والشرف مثل الماء والنار، لايختلطان بل يبطل احدهما فعل الاخر، كان قاسم شريفا وليس سياسيا. على انه لو قدر لحنكته السياسيه ان تكون حاضره لكان ذلك يعني بالضرورة ممارسة الخداع والمناورة والكذب والمساومة والمتاجرة والايقاع بالخصوم والوعود الزائفة والعمالة والتعاون مع الشيطان، وذلكم هو ديدن الحنكة السياسية كما نعرفها في التاريخ القديم والحديث!! ولو كان لقيادة ثورة تموز النضج السياسي المعقول لكان من الافضل بكثير ان يبقى عبد الكريم قائدا عاما للقوات المسلحة ورئيسا لاركان الجيش وليس رئيسا للوزراء او للجمهورية!!

ولم يكن يدرك البعض المجحف المعنى الحقيقي لكلمة الدكتاتور او الطاغية حين وصموه زورا وبهتانا بهما ذلك لانهم لم يكونوا قد عرفوا بعد الدكتاتور الحقيقي والطاغية الاصلي الذي جثم بعدئذ على صدر البلاد كـ(غولٍ من حديد من حجار..سف الحياة، فلا حياة من المساء الى النهار!!)

هل من احد ان يدلني على اي سياسي او رجل دولة في التاريخ الحديث لم ينتفع حتى بفلس واحد من موقعه السياسي ؟ فأي دكتاتور ذلك الذي يموت ولم يترك سوى بضعة من الدينارات في جيب بزته العسكرية، وهو المبلغ المتبقي من راتبه الشهري الذي كان يتقاسمه مع اخته لقاء اهتمامها بطعامه وحاجاته الشخصية! واي دكتاتور هذا الذي لايكلف الدولة حتى ثمن نفر الكباب الذي كان يرسل الجنود لشرائه من ساحة الميدان ؟ واي دكتاتور ذلك الذي لم يستخدم المخصصات الشخصية المتعددة المتوفرة لمنصبه الاعلى، وليس له ملكا عقاريا، ولاحسابا مصرفيا، ولامدخرات. كما ان ليس هناك احد قط ممن استفاد زورا من افراد عائلته واصدقائه وابناء مدينته او عشيرته! فذاك اخاه الذي عاش ومات كاسبا بسيطا ، وتلك اخته التي طالبت يوما بتمليكها بيتا فما كان منه الاان يأخذها الى مدينة الثوره ليريها آلافا من صرائف الفقراء المعدمين ويقول لها: انظري كم من هذا الشعب ليس لديهم بيوتا. ستملكين بيتا حين يتمكن هؤلاء الناس من امتلاك بيوتهم . اليس هذا من قبيل مافعل الامام الجليل علي في زمن خلافته حين وضع الجمرة في كف اخيه ردا على ماطلب منه من مال ؟؟ وقال له ان اي درهم اعطيك انما هو من اموال الامة التي ليس لدينا اي حق في الاستحواذ على اي منها!! واي دكتاتور وطاغيه ذلك الذي فاض عفوه وتسامحه فأفرط بشمول اولئك الشراذم الذين تلبسوا بجرائم الخيانة الوطنية الكبرى!!

وليس هناك اختلاف لدى العراقيين على شجاعته واقدامه. فهو الوحيد من بين نخبة كبيرة من المع الضباط الاحرار الذي حاز على ثقة واحترام الجميع واستحق الاضطلاع بدور القيادة وتمكن فعليا بتفجير الثورة بكفاءة مشهودة. وكرئيس للحكومة كان شجاعا في مجابهة اذناب الاستعمار ومتحديا لنفوذ شركات النفط الجبارة وقوة الاقطاع الضاربة التي حولها المستعمر الانكليزي الى غابة من الثعابين الشرهة التي امتصت حياة الفقراء وذللتهم الى العدم! وهل ينسى اي امرء منصف المقاومة الفردية الباسلة في وزارة الدفاع خلال اليومين الاخيرة من حياته وهو الرجل الصائم في شهر رمضان الذي رفض ان يزج الشعب في حمامات من الدم؟ وحين غرر به المجرمون وقرروا اعدامه ورفاقه الثلاثة، واجه النهاية المحتومة بشرف وبسالة، فرفض ان يشدوا جسده على الكرسي اويعصبوا عينيه . اليس ذلك مثالا في الشجاعة والاقدام ان يصر على النهوض ليستشهد واقفا بشموخ استشهاد الجنود الصناديد هاتفا بحياة الشعب العراقي قبل ان ينهال على صدره وابل رصاص الجبن والخسة والغدر؟

فليبقى للشهيد البطل المجد والخلود ابد الدهر، وليس لقتلته المجرمين الخاسئين غير الخزي والعار